-->
recentc

آخر الأخبار

recentc
recentc
جاري التحميل ...
recentc

تعرف علــى مادة الغــرافيـــــن


يترقب المهتمون بعالم التكنولوجيا ما يمكن اعتبارها ثورة حقيقية ستصنعها مادة مكتشفة حديثا تدعى "غرافين"، وصفت بالمادة "السحرية" نظرا لما تتميز به من خواص استثنائية.

الغرافين  (Graphene): مادة ناشئة، موجودة في كل مجالات الأبحاث في العالم اليوم؛ قد تُغير من طريقة تصنيع المكونات الالكترونية وتساعد في نمو الأداء الحسابي. اقترح العديد من الباحثين إمكانية مساهمة هذه المادة في تعزيز سرعة الانترنت، وفي إمكانية استخدامها كغطاء لمس حساس، ومن الممكن استغلالها لإطالة حياة الحواسيب العادية، فهذه المادة أقوى من الألماس و توصل الكهرباء والحرارة أفضل من أي مادة أخرى، كما أنه من المرجح أن تلعب دوراً مهماً في العديد من المنتجات والعمليات في المستقبل.

ما هو الغرافين

الغرافين مادة مكونة من طبقة وحيدة من ذرات الكربون، مرتبطة مع بعضها البعض على شكل أنماط سداسية متكررة، وتكون سماكة الغرافين أقل من سماكة الورقة العادية بحوالي مليون مرة، ولذلك فهو رقيق إلى درجة نستطيع معها اعتباره مادة ثنائية الأبعاد.
الكربون عبارة عن عنصر غني جداً ويمتلك العديد من الخواص والجوانب المهمة، وقد يصبح ألماساً أو غرافيت ناعم بالاعتماد على الطريقة التي تترتب بها الذرات، ويمنح النمط المسطح والمشابه لخلية العسل خواصاً استثنائية للغرافين، بما في ذلك كونه أقوى مادة موجودة في العالم.

قال البروفسور جيمس هون James Hone من قسم الهندسة الميكانيكية في جامعة كولومبيا: "إنه قوي إلى درجة أنك بحاجة لوجود فيل متوازن فوق قلم رصاص حتي تستطيع اختراق صفيحة من الغرافين بسماكة كيس حافظ".

تعتبرهذه الطبقات ذات ذرات الكربون الاحادية الأساس لمواد مهمة أخرى، حيث يتشكل الغرافيت (Graphite) عند تُراكم الغرافين فوق بعضه، وتتكون الأنابيب النانوية الكربونية (Carbon nanotubes)، والتي تعتبر مادة ناشئة أخرى، من غرافين مُدور، وتُستخدم هذه الأنابيب في الدراجات ومضارب كرة المضرب وحتى في هندسة الأنسجة الحية.

كيف تمَّ اكتشافه

هناك طرق عدة للحصول على الغرافين، وستجد أنك قمت بصناعة الغرافين لمرات عديدة خلال حياتك. ارسم خطاً باستخدام قلم
الرصاص، ونتيجةً لذلك سيتكون بعض الأجزاء الصغيرة من الغرافين. لكن حتى مجيء العقد الأول من هذا القرن؛ لم يمتلك أي شخص الأدوات والاهتمام اللازمين لعزل الغرافين.
دُرس الغرافين نظرياً في أربعينات القرن الماضي. وفي ذلك الوقت، اعتقد العلماء أنه من المستحيل وجود مادة ثنائية الأبعاد، ولذلك لم يحاولوا عزل الغرافين. بعد تلك الدراسات ببضعة عقود، ازدادت أهمية ذلك المجال، وبدأ الباحثون بالحلم بوجود تقنيات قادرة على تقشير الغرافيت.

حاول الباحثون إقحام جزيئات بين طبقات الغرافيت وقشر وفرك الغرافيت، لكن لم يصلوا أبداً إلى طبقة أحادية الذرات. في النهاية، تمكّنوا من عزل الغرافين على سطح مواد أخرى، لكن ليس على مادته الأصلية.

في العام 2002، أصبح الباحث اندري جيم Andre Geim من جامعة مانشستر مهتماً بالغرافين وتحدى طالب دكتوراه أن يقوم بتلميع طبقة من الغرافيت وصولاً إلى سماكة بضع طبقات قليلة جداً. تمكّن الطالب من الوصول إلى 1000 طبقة، لكن لم يُحقق هدف جيم المتمثل في رقم يقع بين 10 و100 طبقة.

حاول جيم سلوك نهج مختلف، واستخدم "تقنية الشريط". طبّق جيم هذا الشريط على الغرافيت وسحبه بعيداً ليحصل على رقائق من الغرافين متعدد الطبقات. ومع سحب المزيد من الأشرطة، حصل جيم على طبقات أقل سماكة حتى وصل إلى قطعة من الغرافين بسماكة 10 طبقات.

صناعة الغرافين
عمل فريق جيم على تحسين تقنيته، وفي في أكتوبر/تشرين الأول عام 2004؛ أنتج الفريق طبقة وحيدة من ذرات الكربون. وبعد ذلك نشرت النتائج في مجلة Science، ليحصل بذلك جيم وزميله كوستيا نوفوسيلوف Kostya Novoselov على جائزة نوبل في الفيزياء عام 2010 عن عملهم هذا.

ومنذ الحصول على أولى الطبقات باستخدام الشريط، تحسّن إنتاج الغرافين بسرعة كبيرة جداً. وفي العام 2009، كان الباحثون قادرين على إنتاج فيلم رقيق من الغرافين يصل عرضه إلى 30 إنش.

لماذا يُعتبر الغرافين استثنائي

كانت ورقة جيم ونوفوسيلوف مهمة لقطاع واسع من العلماء بسبب وصفها للخواص الفيزيائية الغريبة للغرافين. تتحرك الالكترونات في الغرافين عند سرعة لا تُصدق وتبدأ بالتصرف كما لو أنّها عديمة الكتلة، محاكيةً بذلك حقل الفيزياء الذي يحكم الجسيمات المتحركة داخل أحجام فائقة الصغر.
كتب جيم و فيليب كيم Philip Kim -باحث شهير آخر في مجال الغرافين- في مقالة نُشرت في مجلة العلوم الأمريكية: "ذلك النوع من التفاعل الحاصل داخل المواد الصلبة فريدٌ وخاصٌ بالغرافين فقط. وبفضل هذه المادة الجديدة القادمة من قلم الرصاص، لن يبقى ميكانيك الكم النسبوي بعد الآن حبيس علم الكون أو فيزياء الطاقات العالية. لقد دخل الآن إلى المختبرات".
لا تتوقف الخواص الفريدة للغرافين عند فيزياء غريبة فقط، وإنما عند ما يلي أيضاً:
  • الموصلية: الالكترونات هي الجسيمات التي تُولد الكهرباء. ولذلك عندما يسمح الغرافين للإلكترونات بالتحرك بسرعة، فإنه يسمح بتحرك الكهرباء سريعاً أيضاً. وداخل الغرافين، من المعروف أن الإلكترونات تتحرك عند سرعة أكبر بحوالي 200 مرة مما هي الحال داخل السيليكون لأنها تتحرك بوجود مقاومة أقل. أيضاً، يُعتبر الغرافين موصلاً ممتازاً للحرارة، وهو موصل كهربائي مستقل عن درجة الحرارة ويعمل بشكلٍ عادي عند درجة حرارة الغرفة.
     
  • القوة والصلابة: تعتبرمادة قوية جداً جرّاء نمطها غير القابل للتحطيم والروابط القوية بين ذرات الكربون، وكما قُلنا سابقاً؛ فإنك حتى تستطيع اختراق صفيحة غرافين، تحتاج إلى موازنة فيل فوق قلم رصاص، وحتى عندما تتمدد أجزاء من الغرافين، فإنها تبقى أقوى المواد التي نعرف بوجودها.
     
  • المرونة: تلك الراوبط القوية الموجودة بين ذرات الكربون هي روابط مرنة جداً أيضاً؛ إذ يُمكن سحب وحني صفيحة الغرافين إلى حدودٍ معينة دون أن تتحطم، مما يعني أن الغرافين مادة قابلة للحني وللتمديد.
     
  • الشفافية: يمتص الغرافين 2.3% من الضوء المرئي الذي يصدم سطحه، مما يعني أنه بإمكانك الرؤية عبر هذه المادة دون أن تواجه أي وهج.

 ما هي مجالات استخدام الغرافين

إنّ استخدام الغرافين في كافة جوانب الحياة اليومية ليس بالأمر البعيد أبداً، ويعود ذلك جزئياً إلى وجود أبحاث في مجال الأنابيب النانوية الكربونية -وهي النسخ الاسطوانية من الغرافين. نُشر عن هذه الأنابيب للمرة الأولى في ورقة علمية عام 1991 وهي تتمتع بخواص فيزيائية عالية الجودة، ومعظمها مشابه للغرافين.

لكن من الأبسط إنتاج صفائح كبيرة من الغرافين بطريقة مشابهة لصناعة السيليكون. وفي الوقت الحالي، بدأت العديد من التطبيقات المتعلقة بالأنابيب النانوية الكربونية بالتكيف مع الغرافين. ونذكر فيما يلي بعض أهم التطبيقات:
  • الخلايا الشمسية: تعتمد الخلايا الشمسية على أشباه الموصلات (semiconductors) لامتصاص ضوء الشمس. تتكون أشباه الموصلات من عنصر مثل السيليكون الذي يمتلك طبقتين من الالكترونات. في إحدى الطبقتين، تكون الالكترونات هادئة وتبقى في جانب شبه الموصل. وفي الطبقة الأخرى، تستطيع الالكترونات التحرك بحرية، لتشكل تدفق التيار الكهربائي. تعمل الخلايا الشمسية عن طريق نقل الطاقة من جسيمات الضوء إلى الإلكترونات الهادئة، التي تُصبح مثارة وتقفز إلى الطبقة التي تمتلك إلكترونات حرة الحركة، مما يؤدي إلى ظهور تيار كهربائي.

    في الواقع طبقات الغرافين المكونة من الإلكترونات هي طبقات متداخلة ، مما يعني أننا بحاجة إلى كمية أقل من الضوء لجعل الإلكترونات تقفز بين الطبقات. و مستقبلياً؛ يُمكن استخدام هذه الخاصية للحصول على خلايا شمسية عالية الفعالية. وسيمكن استعمال الغرافين من الحصول على خلايا أقل سماكة وأخف وزناً بآلاف المرات مقارنةً مع تلك التي تعتمد على السيليكون.
     
  • الترانزستورات: تعتمد الرقائق الحاسوبية على مليارات الترانزستورات (transistors) للتحكم بتدفق التيار الكهربائي داخل الدارات. وفي معظم الأحيان يُركز الباحثون على صناعة رقائق أقوى عبر زيادة عدد الترانزستورات داخل تجمعات محددة، ولذلك بإمكان الغرافين جعل الترانزستورات أقل سماكة بكثير.

    لكن يُمكن جعل الترانزستورات أكثر قوة عبر تسريع تدفق الإلكترونات داخلها -الجسيمات التي تُكون التيار الكهربائي- ومع وصول العلم إلى حدود مفروضة على مقدار صغر حجم الترانزستورات، يستطيع الغرافين دفع هذه الحدود إما عبر زيادة سرعة الإلكترونات، أو إنقاص حجم تلك الترانزستورات إلى مرتبة بضع ذرات أو أقل.
     
  • الشاشات الشفافة: في العادة تكون شاشات كشاشات تلفزيونات البلازما أو الهواتف المحمولة مغطاة بطبقة من مادة تُعرف بأكسيد القصدير"الإنديوم". يسعى المصنعون وبشكلٍ حثيث إلى الحصول على بدائل تُمكنهم من تخفيض التكاليف وتقديم موصلية ومرونة وشفافية أفضل، ويُعد الغرافين أحد تلك الخيارات الناشئة والمتاحة.


    هذه المادة غير عاكسة، وتبدو شفافة جداً، كما أن موصليتها تجعل منها ممتازة كغطاء شاشة لمس. ولأن الغرافين قوي جداً ورقيق، يُمكن بالتالي طيّه دون أن ينكسر، مما يجعله مناسب جداً للإلكترونيات القابلة للطي التي ستتوافر قريباً في السوق.

    يُمكن أيضاً استخدام الغرافين في حساسات الكاميرا، وفي سلاسل الحمض النووية، وفي الاستشعار بالغازات، وفي تمديد المواد، وأيضاً في مجال تحلية المياه والعديد من التطبيقات الأخرى.
ما هي الانتقادات الموجهة إلى هذه المادة

لايزال الغرافين في مرحلة مبكرة جداً مقارنةً مع المواد المطورة مثل السيليكون وITO. ولجعله متكيف بشكلٍ واسع، يجب أن يصبح قابل للإنتاج على نطاقٍ عريض وبكميات ضخمة وبتكاليف مساوية أو أقل مقارنةً مع تلك الخاصة بالمواد الموجودة.
تُشير التقنيات الناشئة لتصنيع الغرافين مثل التدوير (roll-to-roll) والترسيب البخاري (vapor deposit) وغيرها إلى أن ذلك الأمر ممكن، لكنها لا تزال غير جاهزة تماماً وغير مناسب لصناعة شاشة جهاز هاتف محمول. كما أن الباحثون بحاجة إلى الاستمرار في العمل على تحسين شفافية وموصلية الغرافين في شكله التجاري.
تصنيع الغرافين. Credit: Korea University
تصنيع الغرافين. Credit: Korea University
في الوقت الذي يُبدي فيه الغرافين مستقبلاً واعداً بالنسبة للترانزستورات، إلا أنه يواجه مشكلة أساسية؛ حيث أنه لا يستطيع إيقاف تدفق التيار الكهربائي، مثل مواد أخرى كالسيليكون، مما يعني ان الكهرباء ستستمر بالتدفق دوماً.

نتيجةً لما سبق، فإنه ليس باستطاعة الغرافين العمل كترانزستور. يستكشف الباحثون اليوم طرقاً من أجل جعله ملائم وجمعه مع مواد أخرى للتغلب على هذه القيود، وتتضمن إحدى التقنيات المستخدمة في ذلك المجال وضع طبقة من نتريد البورون (boron nitride) -مادة أخرى لها سماكة ذرة واحدة- بين طبقتين من الغرافين، حتى يستطيع الترانزستور الناتج عن هذه التوليفة تشغيل وإطفاء التيار الكهربائي، لكن يؤدي الأمر إلى إبطاء سرعة الالكترونات قليلاً، وتقترح طريقة أخرى، إدخال شوائب إلى الغرافين.

قد يكون الوقت مبكر جداً على الحديث عن العديد من تطبيقات الغرافين. ولكن تتضمن تطبيقات أخرى استخدامه لصناعة الألياف الكربونية وبطاريات السيارات، التي تعتمد في الواقع على الكربون والغرافيت على التوالي، وهي مواد غير مكلفة.  سيبقى الغرافين مكلفاً على امتداد فترة من الزمن، وقد لا يصبح رخيصاً إلى درجة كافية لإقناع المصنعين باستخدامه.

لم يمضي على العالم أكثر من عقد في استكشاف عالم الغرافين. وفي المقابل، يستمر تطوير السيليكون منذ حوالي 200عام. ومع زيادة سرعة مجال أبحاث الغرافين، قد نعرف في وقتٍ قريب فيما إذا كان الغرافين سيصبح شيئاً أساسياً في الحياة، أم أنه مجرد خطوة أخرى على طريق اكتشاف مادة عجيبة أخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : موقع ناسا بالعربي

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

الآلاء في هندسة الطرائق

2024-2015